الجمعة، 8 فبراير 2013

لنحافظ على بوصلة القدس والمسجد الأقصى




بقلم: الشيخ رائد صلاح- رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني

1. لا أظن أن هناك عاقلًا منصفًا يخالفني القول أن القدس محتلة, ولأنها محتلة فهي في خطر, وأن المسجد الأقصى محتل, ولأنه محتل فهو في خطر, وأن هذا الخطر لا يمكن له أن يرتفع عنهما إلا إذا زال الاحتلال عنهما, ولأنه احتلال إسرائيلي فلا بد من زواله, لأنه في الحقيقة هو مصدر الخطر عليهما.

2. ولا أظن أن هناك عاقلًا منصفًا يخالفني القول أن هذا الاحتلال الإسرائيلي هو احتلال باطل بلا سيادة ولا شرعية, ولذلك فإن وجوده في القدس والمسجد الأقصى وجود باطل بلا سيادة ولا شرعية, وإن سلوكه في القدس والمسجد الأقصى سلوك باطل بلا سيادة ولا شرعية, وإن حاضره في القدس والمسجد الأقصى حاضر باطل بلا سيادة ولا شرعية, ولأنه كذلك فهو حاضر بلا مستقبل, وهذا يعني أن زوال هذا الاحتلال الإسرائيلي قريب لا محالة, وغير مأسوف عليه.

3. ولذلك فإن هذا الاحتلال الإسرائيلي يمكنه بسطوة قوته أن يهوّد القدس وأن يستبيح مقدساتها, ويمكنه بسطوة قوّته أن يواصل حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى, وأن يواصل فرض هيمنته على كل أبواب المسجد الأقصى, فيسمح لمن يشاء بالدخول إلى المسجد الأقصى ويمنع من يشاء من الدخول إليه, وأن يواصل فرض إدخال السياحة المهينة إلى المسجد الأقصى, وأن يواصل حماية كل اقتحامات المحتلين الإسرائيليين اليومية للمسجد الأقصى, وأن يواصل تعطيل الكثير من مشاريع الإعمار التي تقوم بها هيئة الأوقاف للمسجد الأقصى.. يمكنه أن يقوم بكل ذلك, ولكن كل ذلك لن ينفعه فهو في واقع الحال والمآل باطل وإلى زوال وبئس المصير.

4. والمطلوب منا, نحن المسلمين والعرب والفلسطينيين أصحاب الحق الشرعي الوحيد في القدس والمسجد الأقصى, المطلوب منا أن نتخذ من كل ما ذكرت أعلاه بوصلة تحدد لنا علاقتنا مع القدس والمسجد الأقصى, وتحدد لنا علاقتنا مع الاحتلال الإسرائيلي الجاثم بباطله عليهما, وتحدد لنا كيفية نصرة القدس والمسجد الأقصى وكيفية الضغط المشروع من أجل زوال هذا الاحتلال الباطل المغرور عنهما.

5. وهذا يحتاج منا إلى أن نضبط أقوالنا وأعمالنا ومواقفنا تجاه القدس والمسجد الأقصى على ضوء هذه البوصلة, وبذلك نضمن ألا نقوم بأية حركة أو مهمة أو نشاط أو عطاء أو تضحية إلا بما هو منضبط تمام الانضباط مع هذه البوصلة, بمعنى أنه يؤكد بطلان الاحتلال الإسرائيلي ويؤكد قرب زواله, هذا من جهة, ويؤكد انتصار القدس والمسجد الأقصى على هذا الاحتلال من جهة أخرى.

6. بناءً على ما أسلفت تعالوا بنا لنسأل عن ظاهرة زيارة المسجد الأقصى التي بات يقوم بها بعض علماء المسلمين في هذه الأيام, الذين نؤكد حبنا لهم واحترامنا وتقديرنا لهم سلفًا, ولكن هذا الحب والتقدير والاحترام لا يتنافى مع ضرورة تقييم زياراتهم للمسجد الأقصى, التي كانت والتي قد تكون في المستقبل القريب, مع قناعتي أنهم لو يعلمون كل حقائق الأمور المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى لما قاموا بهذه الزيارات.

7. إنها حقيقة مُرة أن هؤلاء العلماء زاروا المسجد الأقصى بموافقة الاحتلال الإسرائيلي, ولو لم يوافق لما تمكنوا من زيارته, وهذا يعني أنهم من حيث لم يطلبوا ومن حيث لم يقصدوا فقد دخلوا المسجد الأقصى بعد أن حصلوا على إذن بالزيارة من الاحتلال الإسرائيلي!!

8. وَمَنْ الذي يعطي الموافقة أو المعارضة على الزيارة¿! ومن الذي يملك الإذن أو المنع في أي وضع صحّي طبيعي¿! أليس هو صاحب السيادة والشرعية¿! ولذلك فإن أخشى ما أخشاه أن يؤدي تكرار هذه الزيارات إلى الإقرار -من حيث لم يقصد الزائرون- بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى وشرعية وجوده فيهما, وهي الكارثة التي ما بعدها كارثة, وهو ما يتناقض مع بوصلة القدس والمسجد الأقصى, فهي في اتجاه والزيارات في اتجاه معاكس.

9. إنها حقيقة مرة أن هؤلاء العلماء زاروا المسجد الأقصى مع استغلال بشع لها من قبل الاحتلال الإسرائيلي, لدرجة أن هذا الاحتلال المغرور قام بتجنيد جنوده المحتلين, لا بل ومخابراته المحتلة, لحماية هؤلاء العلماء الزائرين!! واعجبا ثم واعجبا!! ممن أراد أن يحميهم¿! يا لها من حركة بهلوانية مفتعلة قام بها الاحتلال الإسرائيلي كي يّدعي أمام بصر وسمع علماء المسلمين أنه الحامي للمسجد الأقصى.

10. ومن الذي يتحلى بشرف حماية المسجد الأقصى وحماية زوار المسجد الأقصى في أي وضع صحّي طبيعي¿! أليس صاحب الوجود الحق والشرعي وصاحب السيادة الشرعية في المسجد الأقصى¿! ولذلك فإن أخشى ما أخشاه أن يؤدي تكرار هذه الزيارات –من حيث لم يقصد الزائرون– إلى تجميل وجه الاحتلال الإسرائيلي القبيح أصلًا, وإلى إبرازه وكأنه الحامي للمسجد الأقصى ولزوار المسجد الأقصى, علمًا أنه المحتل الباطل بوجوده والفاقد للسيادة والشرعية!! وعلمًا أنه هو الاحتلال الإسرائيلي بلحمه وشحمه, الذي لا يزال يدفعه غروره إلى تهويد القدس وإلى السيطرة التدريجية على المسجد الأقصى, طامعًا أن يتسنى له في قادمات الأيام تحت ستار مثل هذه الزيارات بناء هيكل أسطوري على حساب المسجد الأقصى!!

11. ثم إن من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول جاهدًا أن يميّع قضية القدس والمسجد الأقصى وأن يمسخها, وأن ينقلها من قدس محتلة ومسجد أقصى محتل علاجهما زوال الاحتلال إلى مجرد قدس يفتقر أهلها المقدسيون إلى بعض الحقوق المعيشية, وإلى مجرد مسجد أقصى لا يطمع أهله إلا أن يتمكنوا من الصلاة فيه وقراءة القرآن فيه وإلقاء المواعظ فيه, وهي محاولة خبيثة لا يجوز أن تنطلي علينا, والويل لنا إذا انطلت علينا, لأنها إن انطلت علينا فقد نظن عندها أنه يكفينا زيارة المسجد الأقصى والتنسك فيه, وهذا أسمى ما نطمع به!! أعوذ بالله من أن يستدرجنا الاحتلال الإسرائيلي وأن يجرنا إلى هذه المتاهة, فإن ذلك قد يحيل الاحتلال الإسرائيلي من حاله مرفوضة إلى حالة مسكوت عنها بإدعاء أنه يمكننا أن نزور المسجد الأقصى وأن نصلي فيه رغم وجوده المرفوض والباطل.

12. ثم ليت العلماء الذين زاروا المسجد الأقصى يسألون أنفسهم: لماذا أصر الاحتلال الإسرائيلي على أن يدخلوا إلى المسجد الأقصى من باب المغاربة فقط!! وأن يخرجوا من المسجد الأقصى من باب المغاربة فقط!! لماذا كل ذلك¿! لأن الاحتلال الإسرائيلي قام منذ عام 1967 بمصادرة مفاتيح هذا الباب تحديدًا, ولا يزال يصادرها حتى الآن, ولا يزال هو الذي يفتح هذا الباب أو يغلقه متى يشاء, ولا يزال ينفرد باستخدامه لوحده ويحّرم على أهلنا الدخول من هذا الباب إلى المسجد الأقصى, فمن هذا الباب يدخل الآلاف ضمن برنامج السياحة المهينة إلى المسجد الأقصى, ومن هذا الباب يدخل العشرات أو المئات من الإسرائيليين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بين الحين والآخر, بمعنى أن الاحتلال الإسرائيلي يدّعي ملكية هذا الباب, ومن هذا الباب دخل علماء المسلمين إلى المسجد الأقصى, وبذلك -من حيث لم يقصدوا- لم يدخلوا من الأبواب التي ندخل منها إلى المسجد الأقصى, بل دخلوا من باب المغاربة فقط!! نعم من هذا الباب الذي تدخل منه زرافات السياحة المهينة, الذي يدخل منه المقتحمون الإسرائيليون, وكأني بالاحتلال الإسرائيلي يريد أن يؤكد أن هؤلاء العلماء المسلمين دخلوا إلى المسجد الأقصى يوم أن دخلوا من الباب الذي يتملكه الاحتلال الإسرائيلي, على اعتبار أن هؤلاء العلماء قد دخلوا المسجد الأقصى تحت مظلة السيادة الإسرائيلية المحتلة!! فهل يرضيكم ذلك يا علماء المسلمين¿!

13. ثم ليت علماء المسلمين يعلمون أن الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي أذن لهم بدخول المسجد الأقصى ها هو في نفس اللحظة يمنع خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري من دخول المسجد الأقصى, ويمنع المئات من أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني من دخول المسجد الأقصى, ويمنع أربعة ملايين من أهلنا يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول المسجد الأقصى!! أليس من الضروري أن يستوقفنا هذا التناقض في سلوك الاحتلال الإسرائيلي¿! أليس من الضروري أن نسأل بصوت عال ونقول: لماذا أذن الاحتلال الإسرائيلي بدخول علماء المسلين إلى المسجد الأقصى على حساب منع معظم الشعب الفلسطيني من دخول المسجد الأقصى¿! ألا يعني كل ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يدّعي أنه لا مشكلة له مع المسلمين والعرب حول القدس والمسجد الأقصى, بل مشكلته مع هؤلاء المتطرفين الإرهابيين الذين يطلق عليهم اسم الشعب الفلسطيني!! فهل يرضيكم ذلك يا علماء المسلمين¿!

14. ثم ليت علماء المسلمين يسألون أنفسهم: هل تُتاح لهم زيارة الشيخ جراح أو سلوان أو راس العمود أو شعفاط أو بيت صفافا أو العيسوية أو وادي الجوز أو جبل المكبر أو صور باهر للاطلاع على ما يُعاني أهلنا المقدسيون من جرائم الاحتلال الإسرائيلي, الذي لا يزال يواصل مصادرة أرضهم وهدم بيوتهم أو سرقتها وانتهاك مقدساتهم وقلع زيتونهم¿! هل تُتاح لعلماء المسلمين زيارة كل مواقع جراح أهلنا بكل هذه الأسماء التي ذكرتها كما تُتاح لهم زيارة المسجد الأقصى¿ ولأن الجواب معروف, حيث إن الاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لهم بزيارة هذه المواقع, فهذا يعني أن الاحتلال الإسرائيلي يوافق على زيارات العلماء في الحدود التي تتوافق مع مصلحة الاحتلال الإسرائيلي فقط!!

15. بناءً على ما قلت فإن واجب نصرة القدس والمسجد الأقصى يفرض علينا أن نحيط بكل هذه الألاعيب التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي, وأن ندرك أنه يحاول اليوم الادّعاء بأنه موافق على إعطاء المسلمين والعرب والفلسطينيين حق الإدارة الدينية فقط على القدس والمسجد الأقصى ولكن تحت السيادة الإسرائيلية الباطلة أصلًا, بمعنى أنه يحاول اليوم الادعاء بأنه موافق على إعطائنا حق الصلاة في المسجد الأقصى ورفع الأذان فيه وتوظيف أئمته وسدنته وحراسه ورعاية حمامات الوضوء فيه والإشراف على دروس الوعظ وليس أكثر من ذلك, بل بشرط أن نقوم بذلك تحت السيادة الإسرائيلية الباطلة أصلًا, والتي لا تزال تتحكم بقوة السلاح بكل أبواب المسجد الأقصى, هذا من جهة, ومن جهة ثانية أن نرعى المقدسات في القدس تحت السيادة الإسرائيلية الباطلة أصلًا, وهذا يعني التسليم الأبدي بسقوط القدس والمسجد الأقصى تحت نير الاحتلال الإسرائيلي!! ومن منا يرضى ذلك¿!

16. وفي الختام أؤكد وأقول: كم نتمنى أن تتشرف القدس وأن يتشرف المسجد الأقصى بزيارة بعد زيارة بعد زيارة لعلماء المسلمين ولسائر الأمة المسلمة والعالم العربي لهما, ولكن متى¿! بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي, وبعد أن تعود القدس حرة, وبعد أن يعود المسجد الأقصى حرًا.. وعندها سيدخل الزائرون إلى المسجد الأقصى من أي أبوابه شاءوا, وسيدخلون بلا حاجة إلى موافقة من محتل ولا إذن منه, ولا حماية منه, فهم الزائرون وهم أصحاب الحق الشرعي والوحيد في المسجد الأقصى!!

يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا, أليس الصبح بقريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق